
يظن البعض، بأننا كفلسطينيين نتخذ من خصوصية التجربة مشجبًا نُعلِّق عليه عجزنا وقصورنا وشغفنا بالخروج على القواعد وتوسيع هوامش الاستثناءات والإنفلات من جاذبية المساءلة. في حين يدرك من عايش التجربة وانصهر في أتونها بأنها حقيقة، حالة استثنائية يُؤخذ بها ولا يُقاس عليها ....
المزيد

"العدالة الدستورية ليست أبدًا عدالة معصوبة العينين، والرقابة على دستورية القوانين ليست عملية حسابية أو آلية توضع بها نص القانون في مواجهة نص الدستور فيظهر على الفور مدى التطابق بينهما أو مدى مخالفة القانون لنصوص الدستور، فالنصوص الدستورية تعالج أمورًا بالغة التعقيد تتصل بمبادئ سياسية واجتماعية يتفاوت النظر في تحديد مدلولها وتحديد نطاقها. والقضاة في نهاية الأمر مواطنون مشاركون في حياة مجتمعهم ولكل منهم رأيه الخاص وتوجهاته الخاصة ومنطلقاته الفكرية تجاه القضايا السياسية والاجتماعية. لذا يجب على القاضي الدستوري أن يزن بدقة الآثار التي من شأنها أن تترتب على أحكامه وقرارته"، "وإذا قُدر أن الحكم أو القرار الذي يتفق من الناحية النظرية أو المجردة مع نصوص الدستور سوف تنتج عنه أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فإنه يعيد التفكير في هذا الحكم أو القرار ويبتكر الحل الذي يوفق بين ضرورة احترام المشروعية الدستورية وضرورة حماية مصالح المجتمع واستقرار أنظمته حتى لو كان هذا الحل يخالف ما يقضي به ظاهر النصوص".

إن القضاء الدستوري ليس قضاءً تطبيقيًا يقوم بإنزال حكم الدستور بشكل آلي أو مجرد على الواقعة المعروضة عليه، إنه يتحتم أن يحقق التوازن والتوفيق بين اعتبارين، وهما: المحافظة على الشرعية الدستورية، والمحافظة في ذات الوقت على استقرار الدولة ذاتها، فالقضاء الدستوري يقوم بمهمته في إطار نظام سياسي واقتصادي واجتماعي له أسس ودعائم يجب عليه أن يراعيها وإلا يتسبب في ظل الحفاظ على الاعتبارات القانونية بانهيارها أو تصدعها.
إن المحكمة الدستورية تمارس دورًا إنشائيًا يتجاوز حدود التطبيق الحرفي لنصوص الدستور ليصل إلى التأثير العملي على كثير من أمور الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للجميع... وإن هذا الدور الإنشائي يتحقق عن طريق قيام المحكمة بتفسير نصوص الدستور والقوانين ... التي يُطرح عليها أمر دستوريتها، وإن هذا التفسير لا يمكن أن ينفصل تمامًا عن الرؤية للمحكمة في كثير من القضايا السياسية والاجتماعية التي تتناولها في أحكامها.